كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعض العلماء: لابد من حكم عدلين من جديد، وممن قال به مالك، قال القرطبي: ولو اجتزأ بحكم الصَّحابة رضي الله عنهم لكان حسنًا.
وروي عن مالك أيضًا أنه يستأنف الحكم في كل صيد ما عدا حمام مكة، وحمار الوحش، والظبي، والنعامة، فيكتفي فيها بحكم من مضى من السلف، وقد روي عن عمر «أنه حكم هو وعبد الرحمن بن عوف في ظبي بعنز» أخرجه مالك والبيهقي وغيرهما. وروي عن عبد الرحمن بن عوف، وسعد رضي الله عنهما «أنهما حكما في الظبي بتيس أعفر»، وعن ابن عباس وعمر، وعثمان وعلي، وزيد بن ثابت ومعاوية، وابن مسعود وغيرهم، «أنهم قالوا: في النعامة بدنة»، أخرجه البيهقي وغيره.
وعن ابن عباس وغيره «أن في حمار الوحش والبقرة بقرة، وأن في الأيل، بقرة».
وعن جابر «أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة»، أخرجه مالك والبيهقي، وروى الأجلح بن عبد الله هذا الأثر عن جابر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح موقوف على عمر كما ذكره البيهقي وغيره، وقال البيهقي: وكذلك رواه عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عن عمر من قوله، وعن ابن عباس «أنه قضى في الأرنب بعناق، وقال هي تمشي على اربع، والعناق كذلك، وهي تأكل الشجر، والعناق كذلك وهي تجتر، والعناق كذلك» رواه البيهقي.
وعن ابن مسعود «أنه قضى في اليربوع بحفر أو جفرة» رواه البيهقي أيضًا، وقال البيهقي: قال ابو عبيد: قال أبو زيد: الجفر من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه، وعن شريح أنه قال: لو كان معي حكم حكمت في الثعلب بجدي، وروي عن عطاء أنه قال في الثعلب شاة، وروي عن عمر وأربد رضي الله عنهما «أنهما حكما في ضب قتله أربد المذكور بجدي قد جمع الماء والشجر» رواه البيهقي وغيره.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه «أنه حكم في أم حبين بجلان من الغنم»، والجلان الجدي، رواه البيهقي وغيره.
تنبيه:
أقل ما يكون جزاء من النعم عند مالك شاة تجزئ ضحية، فلا جزاء عنده بجفرة ولا عناق، مستدلًا بأن جزاء الصَّيد كالدية لا فرق فيها بين الصغير والكبير، وبأن الله قال: {هَدْيًا بَالِغَ الكعبة} [المائدة: 95] فلابد أن يكون الجزاء يصح هديًا، ففي الضب واليربوع عنده قيمتها طعامًا. قال مقيده عفا الله عنه: قول الجمهور في جزاء الصغير بالصغير، والكبير بالكبير، هو الظاهر، وهو ظاهر قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} [المائدة: 95] قال ابن العربي: وهذا صحيح، وهو اختيار علمائنا يعني مذهب الجمهور الذي هو اعتبار الصغر والكبر والمرض ونحو ذلك كسائر المتلفات.
المسألة العاشرة: إذا كان ما أتلفه المحرم بيضًا، فقال مالك: في بيض النعامة عشر ثمن البدنة، وفي بيض الحمامة المكية عشر ثمن شاة، قال ابن القاسم: وسواء كان فيها فرخ أو لم يكن ما لم يستهل الفرخ بعد الكسر، فإن استهل فعليه الجزاء كاملًا كجزاء الكبير من ذلك الطير، قال ابن الموار بحكومة عدلين وأكثر العلماء يرون في بيض كل طائر قيمته.
قال مقيده عفا الله عنه: وهو الأظهر، قال القرطبي: روى عكرمة عن ابن عباس عن كعب بن عجرة «أن النَّبي صلى الله عليه سلم قضى في بيض نعام أصابه محرم بقدر ثمنه»، أخرجه الدارقطني، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «في بيضة نعام صيام يوم أو إطعام مسكين»، قاله القرطبي، وإن قتل المحرم فيلًا فقيل: فيه بدنة من الهجان العظام التي لها سنامان، وإذا لم يوجد شيء من هذه الإبل فينظر إلى قيمته طعامًا، فيكون عليه ذلك.
قال القرطبي: والعمل فيه أن يجعل الفيل في مركب وينظر إلى منتهى ما ينزل المركب في الماء، ثم يخرج الفيل ويجعل في المركب طعام إلى الحد الذي نزل فيه والفيل فيه، وهذا عدله من الطعام وأما إن نظر إلى قيمته فهو يكون له ثمن عظيم لأجل عظامه وأنيابه، فيكثر الطعام وذلك ضرر اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القرطبي في اعتبار مثل الفيل طعامًا فيه أمران:
الأول: أنه لا يقدر عليه غالبًا، لأن نقل الفيل إلى الماء، وتحصيل المركب ورفع الفيل فيه، ونزعه منه، لا يقدر عليه آحاد الناس غالبًا، ولا ينبغي التكليف العام إلا بما هو مقدور غالبًا لكل أحد.
والثاني: أن كثرة القيمة لا تعد ضررًا، لأنه لم يجعل عليه إلا قيمة ما أتلف في الإحرام، ومن أتلف في الإحرام حيوانًا عظيمًا لزمه جزاء عظيم، ولا ضرر عليه، لأن عظم الجزاء تابع لعظم الجناية كما هو ظاهر.
المسالة الحادية عشرة: أجمع العلماء على أن صيد الحرم المكي ممنوع، وأن قطع شجره، ونباته حرام، إلا الإذخر لقوله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكة، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته، إلا لمعرف» فقال العباس إلا الإذخر، فإنه لابد لهم منه، فإنه للقيون والبيوت، فقال: «إلا الإذخر»، متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعن أبي هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قال: «لا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد»، فقال العباس: إلا الإذخر، فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر» متفق عليه أيضاص. وفي لفظ «لا يعضد شجرها»، بدل قوله: «لا يختلى شوكها»، والأحاديث في الباب كثيرة.
واعلم أن شجر الحرم ونباته طرفان، وواسطة طرف لا يجوز قطعه إجماعًا، وهو ما أنبته الله في الحرم من غير تسبب الآدميين، وطرف يجوز قطعه إجماعًا، وهو ما زرعه الآدميون من الزروع، والبقول، والرياحين ونحوها، وطرف اختلف فيه، وهو ما غرسه الآدميون من غير المأكول، والمشموم، كالأثل، والعوسج، فأكثر العلماء على جواز قطعه.
وقال قوم منهم الشافعي بالمنع، وهو أحوط في الخروج من العهدة، وقال بعض العلماء: إن نبت أولا في الحل، ثم نزع فغرس في الحرم جاز قطعه، وإن نبت أولًا في الحرم، فلا يجوز قطعه، ويحرم قطع الشوك والعوسج، قال ابن قدامة في «المغني»، وقال القاضي، وأبو الخطاب: لا يحرم، وروي ذلك عن عطاء، ومجاهد، وعمرو بن دينار، والشافعي، لأنه يؤذي بطبعه، فأشبه السباع من الحيوان.
قال مقيده عفا الله عنه: قياس شوك الحرم على سباع الحيوان مردود من وجهين:
الأول: أن السباع تتعرض لأذى الناس، وتقصده بخلاف الشوك.
الثاني: أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يعضد شوكه»، والقياس المخالف للنص فاسد الاعتبار. قال في «مراقي السعود»:
والخلف للنص أو إجماع دعا ** فساد الاعتبار كل من وعى

وفساد الاعتبار قادح مبطل للدليل، كما تقرر في الأصول، واختلف في قطع اليابس من الشجر، والحشيش، فأجازه بعض العلماء، وهو مذهب الشافعي وأحمد. لأنه كالصيد الميت لا شيء على من قده نصفين، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يختلى خلاه» لأن الخلا هو الرطب من النبات، فيفهم منه أنه لا بأس بقطع اليابس.
وقال بعض العلماء: لا يجوز قطع اليابس منه، واستدلوا له بأن استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس، وبأن في بعض طرق حديث أبي هريرة: ولا يحتش حشيشها، والحشيش في اللغة: اليابس من الشعب، ولا شك أن تركه أحوط.
واختلف أيضًا في جواز ترك البهائم ترعى فيه، فمنعه أبو حنيفة، وروي نحوه عن مالك، وفيه عن أحمد روايتان، ومذهب الشافعي جوازه، واحتج من منعه بأن ما حرم اتلافه، لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد، واحتج من أجازه بأمرين:
الأول: حديث ابن عباس قال: «أقبلت راكبًا على أتان، فوجدت النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فدخلت في الصف وأرسلت الأتان ترتع» متفق عليه، ومنى من الحرم.
الثاني: أن الهدْيَ كان يدخل الحرم بكثرة في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أصحابه، ولم ينقل عن أحد الأمر بسد أفواه الهدي عن الأكل من نبات الحرم. وهذا القول أظهر، والله تعالى أعلم.
وممن قال به عطاء، واختلف في أخذ الورق، والمساويك من شجر الحرم إذا كان أخذ الورق بغير ضرب يضر بالشجرة، فمنعه بعض العلماء لعموم الأدلة، وأجازه الشافعي، لأنه لا ضرر فيه على الشجرة، وروي عن عطاء، وعمرو بن دينار، أنهما رخصا في ورق السنا للاستمشاء بدون نزع أصله، والأحوط ترك ذلك كله، والظاهر أن من أجازه استدل لذلك بقياسه على الإذخر بجامع الحاجة.
وقال ابن قدامة في «المغني»: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقلع من الشجر بغير فعل آدمي، ولا ما سقط من الورق، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافًا، لأن الخبر إنما ورد في القطع، وهذا لم يقطع فأما إن قطعه آدمي، فقال أحمد: لم أسمع إذا قطع أنه ينتفع به، وق لفي الدوحة تقطع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها، وذلك لأنه ممنوع من اتلافه لحرمة الحرم، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به، كالصيد يذبحه المحرم.
ويحتمل أن يباح لغير القاطع الانتفاع به، لأنه انقطع بغير فعله، فأبيح له الانتفاع به، كما لو قطعه حيوان بهيمي، ويفارق الصيد الذي ذبحه، لأن الذكاة تعتبر لها الأهلية، ولهذا لا تحصل بفعل بهيمة بخلاف هذا اهـ.
وقال في المغني أيضًا: ويباح أخذ الكمأة من الحرم، وكذلك الفقع، لأنه لا أصل له، فأشبه الثمرة، وروى حنبل قال: يؤكل من شجر الحرم الضغابيس والعشرق، وما سقط من الشجر، وما أنبت الناس.
واختلف في عشب الحرم المكي، هل يجوز أخذه لعلف البهائم؟ والأصح المنع لعموم الأدلة.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الحلال إذا قتل صيدًا في الحرم المكي. فجمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة، وعامة فقهاء الأمصار على أن عليه الجزاء، وهو كجزاء المحرم المتقدم، إلا أن أبا حنيفة قال: ليس فيه الصوم، لأنه إتلاف محذ من غير محرم.
وخالف في ذلك داود بن علي الظاهري، محتجًا بأن الأصل براءة الذمة ولم يرد في جزاء صيد الحرم نص، فيبق على الأصل الذي هو براءة الذمة وقوله هذا قوي جدًا.
واحتج الجمهور «بأن الصحابة رضي الله عنهم قضوا في حمام الحرم المكي بشاة شاة»، روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس، ولم ينقل عن غيرهم خلافهم، فيكون إجماعًا سكوتيًا، واستدلوا أيضًا بقياسه على صيد المحرم، بجامع أن الكل صيد ممنوع لحق الله تعالى، وهذا الذي ذكرنا عن جمهور العلماء من أن كل ما يضمنه المحرم يضمنه من في الحرم يستثنى منه شيئان:
الأول: منهما القمل، فإنه مختلف في قتله في الإحرام، وهو مباح في الحرم بلا خلاف.
والثاني: الصيد المائي مباح في الإحرام بلا خلاف، واختلف في اصطياده من آبار الحرم وعيونه، وكرهه جابر بن عبد الله، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام «لا ينفر صيدها» فثبت حرمة الصيد لحرمة المكان، وظاهر النص شمول كل صيد، ولأنه صيد غير مؤذ فأشبه الظباء، وأجازه بعض العلماء محتجًا بأن الإحرام لم يحرمه، فكذلك الحرم، وعن الإمام أحمد روايتان في ذلك بالمنع والجواز.
وكذلك اختلف العلماء أيضاص في شجر الحرم المكي وخلاه، هل يجب على من قطعهما ضمان؟
فقالت جماعة من أهل العلم، منهم مالك، وأبو ثور، وداود: لا ضمان في شجره ونباته، وقال ابن المنذر: لا أجد دليلا أوجب به في شجر الحرم فرضًا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، وأقول كما قال مالك: نستغفر الله تعالى.
والذين قالوا بضمانه، منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، إلا أن أبا حنيفة قال: يضمن كله بالقيمة، وقال الشافعي، وأحمد: يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة، والصغيرة بشاة، والخلا بقيمته والغصن بما نقص، فإن نبت ما قطع منه، فقا لبعضهم: يسقط الضمان، وقال بعضهم بعدم سقوطه.
واستدل من قال في الدوحة بقرة، وفي الشجرة الجزلة شاة بآثار رويت في ذلك عن بعض الصحابة كعمر وابن عباس، والدوحة: هي الشجرة الكبيرة، والجزلة: الصغيرة.